Tuesday, February 20, 2007

Khalida Said wrote...

ابنتي وصديقتي وراعيتي

خالدة سعيد
لم أصحُ من خبر سعاد نجار الصاعق حتى صعقني خبر مي غصوب ـ صاغية. ما تصورت أن أعيش لأحتمل مثل هذا.
مي ابنتي وصديقتي التي صرت كأنني ابنتها من فرط رعايتها وعنايتها. وكانت تبدو لي أماً راعية للجميع، من سعة الحب الذي تغمر به من حولها من أهل وأصدقاء ورفاق، ومن فيض الكرم وفيض الوفاء وفيض الذكاء والفن، وفوق ذلك من حس عبقري بمعنى المسؤولية ومعنى الصداقة ومعنى خدمة الوطن والعمل العام.
عرفت مي غصوب في الرابعة عشرة من عمرها في مدرسة زهرة الإحسان. أذكرها بمرحها وشقاوتها وابتداعها الألعاب، أذكرها وهي تعلق الغيتار بكتفها وتعزف وتغني أغنية مرحة. أذكر خفة ظلها وإحساسها بجمال الحياة وبحب أبوين متبتلين لابنتيهما.
أذكرها هي التي لم تكن تعرف العربية، أذكر كيف هجمت على الدرس بحماسة مدهشة حتى أجادت اللغة ثم صارت كاتبة.
ولا مثيل لوفائها الكريم. لم تنقطع عني أبدا منذ تلك السنوات. وفي تلك الحرب المجنونة كانت ناشطة في العمل الإنساني. في عبورها المغامر المتواصل بين شطري العاصمة كانت تحرص أن تزورني، فأحذرها في كل مرة لأن الحرب عمياء، والحروب كلها عمياء حتى عن أهدافها. فكانت تجيب أن الحرب في كل مكان، وعلى كل لبناني، ولست أغلى من غيري.
كيف يقدر هذا الكلام المفجوع أن يحكي عن مي الباهرة المحبة الفريدة المتعددة الفائضة عن وجودها وعن عمرها القصير المخطوف؟ مي الفنانة ـ النحاتة ـ المسرحية، مي الناشرة والكاتبة الاجتماعية المحللة المناضلة وامرأة الأعمال. وهي في هذا كله وفي ما يتجاوزه امرأة الوعي الوطني الرفيع والنضال الذكي على جبهات متعددة.
بعد إصابتها الخطيرة في الحرب كنت أهلع من احتمال لقائها، هي الوردة الصبية وينبوع الحياة. وحين رأيتها لأول مرة رأيت إنسانا يُبعث جديدا. من عرفها ثم رآها بعد الإصابة لا بد أن ينحني لشجاعتها وإيجابيتها وعلوّها على النكبة التي حلت بوجهها الجميل واستبطانها الفاجعة وتحويلها الى وعي متعاظم واندفاع وحس عميق بالرسالة.
هل كانت في ذلك الدفق المدهش دفق الحب والصداقة وتوهج الإبداع والعطاء تستشعر بشكل ما أنها ستخطف صبية حين لا تنفع شجاعة ولا يشفع إبداع أو صفاء أو شباب؟
لقد عجّلت بالرحيل فمن أي أرض يجيء العزاء؟

No comments: