الاربعـاء 03 صفـر 1428 هـ 21 فبراير 2007 العدد 10312
غياب مثقفة أصيلة
منذ ان قرر الاخوان «غونكور» في فرنسا ان يكرسا الثروة التي ورثاها في سبيل الكتاب والنشر، اصبح اسم الناشر مرادفا لاسم المؤلف، بل اصبح اسم الناشر هو الشهادة لمؤلف جديد. وفي بلدان مثل اميركا وبريطانيا وفرنسا. صار القارئ يشتري كتابه الجديد استنادا الى ثقته بالناشر واحترامه له. وهكذا برزت اسماء مثل الفرد كينوبف في نيويورك وماكميلان في لندن و«البان ميشيل» في باريس. ومع السنين نمت لدى الناس قناعة بأن الكاتب قد يسف ويسقط لكن الناشر المحترم لا يستطيع ان يغامر مرة واحدة بأي زلل.
كانت مي غصوب ناشرة على مستوى الاحترام والثقة وبعدما كان النشر في معظمه في ايدي تجار الجملة وباعة المفرق اصبح في وجود ناشرين مثلها، في ايدي المثقفين وكبار المستحقين. وكان المرء يفخر في ان يعطي مخطوطته «لدار الساقي» ضامنا لعمله ولنفسه الاحترام. ولم تثق مي غصوب في النشر العربي وحده بل اصدرت من مكتبتها المتواضعة في «ويستبورن غروف» عددا من ارقى كتب التراث، الانكليزية. وسلمها ادباء كبار مثل ادونيس كل مؤلف جديد، وهم مطمئنون الى رعايتها للكتاب وشغفها المستدام بالفن والفكر والادب. وكان حديث الكتب مع مي غصوب جميلا وله ايقاع. فقد كانت تتحدث عن الكتاب كأنها تتحدث عن طفل او عن حديقة ازهرت للتو. وقد احترمت النصوص التي اوكلت اليها ولم تقحم النشر في التهريج او الابتزاز. ورسمت لنفسها قواعد وحدودا وضعت سمعة نادرة في حقل ذي شوك وزرعه قليل.
تعاملت مع الكتاب على انه اناء من الكريستال. يجب ان يكون شفافا مهما كان عميقا. وتعاملت مع المؤلفين على انهم شركاء في النشر. وفي كل عام تصلني من «دار الساقي» لائحة حول مبيع كتابين نشرتهما لي الدار، تشبه في دقتها حركة الوصول في مطارات السويد. وكذلك في نظافتها وفي ترتيبها.
نادرا ما ذهبت الى لندن من دون ان ازور مكتبة الساقي. وكنت امضي فيها بعض النهار وانا أسأل مي غصوب عما يجب ان اقرأ من آخر الكتب. وكانت موضوعية الى حد التصوف. دائما تخشى ان تظلم مؤلفا او ان تغشك بآخر. فالناشرة الراقية ظلت أبدا فنانة مسحورة بحرفة العطاء وصناعة الابداع. وكان عالمها البسيط والصغير مليئا بالموسيقى والمسرح والرسم والنحت. وكانت مشغوفة بقضايا كثيرة ومسكونة بقضية المرأة العربية. وكانت تشعر بالقهر لحال النسوة العرب وبالشفقة لحال الرجل العربي.
غياب مثقفة أصيلة
منذ ان قرر الاخوان «غونكور» في فرنسا ان يكرسا الثروة التي ورثاها في سبيل الكتاب والنشر، اصبح اسم الناشر مرادفا لاسم المؤلف، بل اصبح اسم الناشر هو الشهادة لمؤلف جديد. وفي بلدان مثل اميركا وبريطانيا وفرنسا. صار القارئ يشتري كتابه الجديد استنادا الى ثقته بالناشر واحترامه له. وهكذا برزت اسماء مثل الفرد كينوبف في نيويورك وماكميلان في لندن و«البان ميشيل» في باريس. ومع السنين نمت لدى الناس قناعة بأن الكاتب قد يسف ويسقط لكن الناشر المحترم لا يستطيع ان يغامر مرة واحدة بأي زلل.
كانت مي غصوب ناشرة على مستوى الاحترام والثقة وبعدما كان النشر في معظمه في ايدي تجار الجملة وباعة المفرق اصبح في وجود ناشرين مثلها، في ايدي المثقفين وكبار المستحقين. وكان المرء يفخر في ان يعطي مخطوطته «لدار الساقي» ضامنا لعمله ولنفسه الاحترام. ولم تثق مي غصوب في النشر العربي وحده بل اصدرت من مكتبتها المتواضعة في «ويستبورن غروف» عددا من ارقى كتب التراث، الانكليزية. وسلمها ادباء كبار مثل ادونيس كل مؤلف جديد، وهم مطمئنون الى رعايتها للكتاب وشغفها المستدام بالفن والفكر والادب. وكان حديث الكتب مع مي غصوب جميلا وله ايقاع. فقد كانت تتحدث عن الكتاب كأنها تتحدث عن طفل او عن حديقة ازهرت للتو. وقد احترمت النصوص التي اوكلت اليها ولم تقحم النشر في التهريج او الابتزاز. ورسمت لنفسها قواعد وحدودا وضعت سمعة نادرة في حقل ذي شوك وزرعه قليل.
تعاملت مع الكتاب على انه اناء من الكريستال. يجب ان يكون شفافا مهما كان عميقا. وتعاملت مع المؤلفين على انهم شركاء في النشر. وفي كل عام تصلني من «دار الساقي» لائحة حول مبيع كتابين نشرتهما لي الدار، تشبه في دقتها حركة الوصول في مطارات السويد. وكذلك في نظافتها وفي ترتيبها.
نادرا ما ذهبت الى لندن من دون ان ازور مكتبة الساقي. وكنت امضي فيها بعض النهار وانا أسأل مي غصوب عما يجب ان اقرأ من آخر الكتب. وكانت موضوعية الى حد التصوف. دائما تخشى ان تظلم مؤلفا او ان تغشك بآخر. فالناشرة الراقية ظلت أبدا فنانة مسحورة بحرفة العطاء وصناعة الابداع. وكان عالمها البسيط والصغير مليئا بالموسيقى والمسرح والرسم والنحت. وكانت مشغوفة بقضايا كثيرة ومسكونة بقضية المرأة العربية. وكانت تشعر بالقهر لحال النسوة العرب وبالشفقة لحال الرجل العربي.
No comments:
Post a Comment